مما لا شكَّ فيه أنَّ تصوّر الإنسان وتفكيره تجاه موضوع ما سيؤثر في تعامله مع هذا الموضوع سلباً أو إيجاباً، تقبُّلاً أو رفضاً استسلاماً أو تحدّياً، وقد اختبر الله بعض الناس بامتحانات جسدية تعامل معها كلٌّ منهم بطريقة تنسجم مع تفكيره نحوها، فمنهم من تحدّاها وتغلب عليها، ومنهم من وقع فريسة لليأس والإحباط وظنّ أنها نهاية الحياة.
ومن هنا كان ما يسمى قديماً: الإعاقة الجسدية، التي يمتحن الله بها بعض عباده مفترق طرقٍ يحتم على الإنسان أن يتّخذ موقفاً في مواجهتها، فإمّا أن يكون ضعيفاً مستسلماً معتقداً أنّ ما أصابه قد أطفأ شعلة حياته، وأوقف تقدّمه، وجعله إنساناً ضعيفاً، أو أنّه سيقف شجاعاً متحدّياً الإعاقة ويجعل منها سبباً لإثبات ذاته، وتحقيق مبتغاه، متوكلاً على الله في إعانته، متمسكاً بقنديل الأمل ليكون قدوة لغيره في التحدي، وشعلة تضيء طريق السائرين، ولا يتأتى له ذلك إلا حين يرى في ذلك سبباً كافياً كي يكون له بصمة يتركها في مجتمعه، ذلك المجتمع الذي تقع على عاتقه مسؤوليات جمّة في الوقوف إلى جانب أبنائه من أصحاب الهمم، والأخذ بأيديهم نحو مستقبل أفضل.
وعليه فإنَّ رعايةَ المجتمع لهذه الفئة من أبنائه وتقديم الدعم لهم وتمكينهم على مختلف الصعد السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلميّة… سمةٌ بارزة من سمات التحضّر، وعنوانٌ لافتٌ للإنسانية في أبهى صورها، ومصدر فخر للمجتمعات الحيّة، وهنا يبرز اسم الإمارات العربية المتحدة بلداً داعماً وبقوة لأصحاب الهمم في المجالات كافة، كيف لا، وهي بلدٌ تتشرّبَ قيم الإنسانية من مَعين الإرث الإماراتيّ الأصيل، لتتميز بالتلاحم المجتمعي القائم على المودة والتراحم؟
وقد سعى المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه إلى ترسيخ أسس تمكين هذه الفئة ودعمها، إذ وجّه إلى الاهتمام بأصحاب الهمم ودمجهم في المجتمع في مختلف المجالات، وحشد الجهود والطاقات لدعمهم في جميع البرامج والقطاعات الوطنية كالرياضة، وجودة الحياة، والتعليم والعمل، والتمثيل الدولي، والصحة، والثقافة، واستشراف الخدمات، والإعلام، واتجهت الإمارات في عهده نحو تقديم كل الدعم لهم، فنالوا حظوة كبيرة في المجالات كافة.
وحين نتحدّث عن أصحاب الهمم لا بدّ أن نستذكر تلك الكلمات الطيبة التي أودعها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله في أسماع الإنسانية معلناً دعمه الكامل لأصحاب الهمم مطلقاً استراتيجية شاملة لهم في أبوظبي 2020-2024، قائلاً: “إنّ الاهتمام بأصحاب الهمم وتقديم الرعاية المتكاملة وفق أعلى المعايير العالمية يأتي ضمن جوهر خطط الدولة وبرامجها لتمكينهم، لكي يصبحوا منتجين ومساهمين في خدمة بلدهم فهم جزء أصيل وأساسي من مكونات مجتمعنا.. دعمهم ورعايتهم مسؤولية وأمانة”.
لا نبالغ إن قلنا: إنّ جزءاً كبيراً من صمود أصحاب الهمم وتحديهم للإعاقة يتحصّلُ من المجتمع الذي يدعمهم مادياً ومعنوياً فللكلمة أثر السحر في الإنسان، فكيف إذا صدرت من رمز الوطن وقائده؟!
ولا بدّ عند الحديث عن أصحاب الهمم أن نشير إلى أن إطلاق هذا المصطلح على الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة هي رؤية أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله في أبريل 2017 فقد أدرك ببصيرته الثاقبة وفكره النّير أنّ تمكين هذه الفئة يبدأ من تطوير نظرتهم إلى أنفسهم أولاً، ومن نظرة المجتمع إليهم ثانياً، فمصطلح “أصحاب الهمم” فيه ما فيه من العزيمة والإرادة والتحدّي للإعاقة، فيه ثقة بالنفس وهمّة عالية في صنع المستحيل، وهذا ما نستشفّه من كلماته التي تفيض تحفيزاً وحثّاً على النهوض، يقول: «إعاقة الإنسان هي عدم تقدمه، وبقاؤه في مكانه وعجزه عن تحقيق الإنجازات، وما حققه أصحاب الهمم في مختلف المجالات، وعلى مدى السنوات الماضية من إنجازات دليل على أنَّ العزيمة والإرادة تصنعان المستحيل وتدفعان الإنسان إلى مواجهة كل الظروف والتحديات بثبات، للوصول إلى الأهداف والغايات».
وختاماً، فإنّ الحديث عن دعم أصحاب الهمم وتمكينهم حديث له شجون، ولكن يمكن القول: إنّ بناء دولة حضارية قوية يقوم أساساً على تعزيز إنسانية الإنسان بوصفه قيمة كبرى، والإيمان المطلق بأنّ المجتمع يقوم على كواهل أبنائه جميعاً، وأصحاب الهمم جزء لا يتجزّأ منهم، لذا علينا جميعاً أن نسير على درب قيادتنا الرشيدة في دعم وتمكين أصحاب الهمم، ودمجهم في مختلف المجالات.