نحو بيئة مستدامة

الاستدامة إحدى أبرز القضايا التي حظيت باهتمام عالميٍّ كبير، ولا سيَّما في الدول التي جعلت سعادة الإنسان البوصلة التي توجه مسيرتها؛ وذلك لما للاستدامة من عظيم الأثر في رسم مستقبل أفضل لعالمنا.

وقد عرّفت الأمم المتحدة التنمية المستدامة بأنّها “التنمية التي تلبي احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها”.

 وللاستدامة مجالات كثيرة ومظاهر متنوعة، لعلّ من أهمها الاستدامة البيئية التي تهدف إلى حماية عناصر البيئة الطبيعة، مثل الغلاف الجوي أو التربة، والتركيز على تقليل بصمات الكربون، ونفايات التغليف، واستعمال المياه وتأثيرها وتعزيز استعمال الطاقة المتجددة؛ فهي مفهوم يهدف إلى تحقيق التوازن بين احتياجات الإنسان وحماية البيئة، وهذا ما سينعكس إيجابياً على حياة الإنسان حاضراً ومستقبلاً.

ولا نبالغ إذا قلنا إنّ الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول التي تميزت برؤيتها الطموحة الواضحة نحو تحقيق التنمية البيئية المستدامة، فهي تسعى جاهدة إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة.

وإذا ما تقصينا جذور الاهتمام بالاستدامة البيئية في دولة الإمارات العربية المتحدة فإننا سنجدها ماثلة في الرؤية التي وضعها القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيّب الله ثراه، فهو “رجل البيئة الأول”، و”بطل الأرض”، وفارس الصحراء، وصانع معجزة الخضرة فيها، وغيرها من الألقاب التي منحتها إياه جهات دولية معنية بالبيئة، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على التقدير الكبير للشيخ زايد، ولجهوده في مجال حماية البيئة، فقد حظيت قضايا البيئة باهتمامه منذ شبابه، ورأى أنّ الحفاظ عليها شكلٌ من أشكال الوفاء للأجداد، فقال مؤكداً ذلك: “نحن الذين نعيش الآن فوق هذه الأرض مسؤولون عن الاهتمام ببيئتنا والحياة البريّة، واجب علينا الوفاء لأسلافنا وأحفادنا على حد سواء”. 

وقد أدرك _رحمه الله_ برؤيته الثاقبة أنّ التنمية البيئية المستدامة لا تتحقق إلا بتكاتف الجهود بين الحكومة والأفراد، فقال: “إنّ حماية البيئة يجب ألّا تكون وألا ينظر إليها كقضية خاصة بالحكومة والسلطات الرسمية فقط، بل هي مسألة تهمنا جميعاً، إنها مسؤولية الجميع، ومسؤولية كل فرد في مجتمعنا، مواطنين ومقيمين”.

وقد أثمر هذا الوعي البيئي في الإمارات إنجازات عظيمة أشار إليها الشيخ زايد بقوله: “نجحت دولة الإمارات العربية المتحدة على الرغم من كونها دولة حديثة في قطع خطوات واسعة لحماية البيئة ومكافحة التلوث وقهر الصحراء، حتى أصبحت دولة الإمارات القدوة والنموذج للدول التي تحدّت الطبيعة القاسية للصحراء وحافظت على البيئة ونقائها وتنميتها، مما جعل العلاقة بين الأرض والإنسان علاقة عطاء متبادل”.

والحقيقة أنّ هذا النهج ظلّ منارة لقيادتنا الرشيدة التي وضعت الاستراتيجيات التنموية الرائدة لتحقيق التنمية المستدامة، فقد أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله” 2023 عام الاستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة تحت شعار (اليوم للغد)، وتم تمديده ليتواصل في عام 2024، في خطوة تهدف إلى نشر الوعي بخصوص قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية في تحقيق استدامة التنمية، ودعم الاستراتيجيات الوطنية في هذا المجال.

وقال سموُّه مؤكداً دعمه اللا محدود للاستدامة البيئية: “إنّ دولة الإمارات العربية المتحدة داعمٌ أساسيّ لكلِّ ما يحمي البيئة ويخدم الاستدامة في العالم، وستواصل دورها في تعزيز العمل البيئي الدولي مرتكزة على سجلها الحافل وإرثها العريق في هذا الشأن”.

وليس ببعيد عن هذا التوجّه أن نجد الرؤية الواضحة للاستدامة عند صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي رعاه الله الذي رأى في سلوك نهج الاستدامة امتداداً لماضٍ عريق، ووفاء لإرث القائد المؤسس، فقال: “إنّ نهج الاستدامة هو ركيزةٌ أساسيةٌ في دولة الإمارات تستند إلى إرث الاستدامة الذي رسخه المغفور له الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، ولا نزال في دولة الإمارات نسترشد به ونسير على نهجه”.

وقد طرحت الإمارات مبادرات ومشاريع عدّة تهدف إلى الحفاظ على التنوع البيئي، واستدامة الموارد البيئية، عبر الاستفادة القصوى من الطاقة النظيفة، كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الحرارية، واستعمال تقنيات صديقة للبيئة، ومن المشاريع التنموية الرائدة في هذا المجال مشروع حديقة محمد بن راشد للطاقة الشمسية الذي يؤكد التزام الإمارات بالطاقة النظيفة والمستدامة، وتعد مدينة (مصدر) في العاصمة أبوظبي أول مدينة خالية من الكربون والنفايات في العالم، كما تعدّ مدينة دبي المستدامة الأولى من نوعها بالمنطقة بما توفره من مزايا بيئية مثالية تحقق الاستدامة البيئية، وتنشر السعادة بين ساكنيها.

وتشجيعاً لهذا التوجه أطلقت قيادتنا الرشيدة جوائز عديدة من شأنها تعزيز ثقافة الاستدامة ودعمها، ومنها جائزة “زايد للاستدامة” وهي جائزة عالمية تحتفي بالتميز في مجال الاستدامة؛ أطلقها صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، وتعدُّ من أبرز الجوائز العالمية في مجال الطاقة المتجددة.

  وكذلك جائزة “زايد الدولية للبيئة” التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهي إحدى أهم الجوائز في مجال حماية البيئة.

وغيرهما الكثير من الجوائز التي تصبّ في مجال تشجيع الاستدامة بأنواعها المختلفة.

وختاماً، فإنّ تحقيق التنمية البيئية المستدامة هدف سامٍ نسعى إليه جميعاً، وعليه فإنّ كلّاً منا يقع على عاتقه جزء من هذه المهمة، ولا يكون ذلك إلّا بنشر الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة للأجيال القادمة، وتكاتف الجهود بين الحكومات والأفراد أولاً، وبين الدول جميعها ثانياً، وهكذا يمكننا ضمان حياة مستدامة حاضراً ومستقبلاً.

مشاركة هذا المقال على :

يمكنك الإطلاع أيضاً: