اقرأ، أولى كلمات القرآن الكريم نزولاً على نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم)، فهذا أمر إلهي بالقراءة وطلب العلم، لما لذلك من أثر كبير في الارتقاء بالعقل والروح معاً، فالقراءة هي المفتاح الذي يسمح لنا باستكشاف عوالم جديدة، وبها نتعرف تاريخ حضارات سالفة، وهي النور الذي يضيء عقولنا بأفكارٍ مبتكرة. فالقراءة ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل هي رحلة تحقق بها الروح مبتغاها وتسمو بها الألباب نحو عوالم وآفاق شتى.
وإذا ما تتبعنا حياة الأمم السالفة منذ فجر التاريخ، فإننا سنجد أنّ قوتها ارتبطت بمدى اهتمامها بالعلم، وتشجيع حكامها على طلبه، وشغف شعوبها به، وبالمقابل فإنّ الأمم التي أهملت طلب العلم أصابها الوهن وفتك بها داء الجهل العضال، فعاشت في ظلماته أزماناً طويلة.
ولما كانت القراءة وسيلة طلب العلم الرئيسة، فإنّها كانت ولا تزال واحدة من أسمى المهارات التي يمتلكها الإنسان؛ لذا ينبغي أن نواظب عليها جميعاً، ونشجع أبناء وطننا على اكتسابها والمواظبة عليها، فحينما نقرأ، نعبر حدود تجربتنا الشخصية، ونغوص في أفكار وتجارب الآخرين، وننهل من معرفهم، ونستزيد من خبراتهم، مما يسهم في بناء شخصية قوية وقادرة على التفكير النقدي، وكأننا حين نقرأ نعيش حيوات كثيرة ونجول بلداناً عدة في أزمنة متباعدة.
والحقيقة أنّ قادة بلادنا في الإمارات العربية المتحدة أدركوا هذه الحقائق جيداً، فجعلوا من القراءة جزءاً لا يتجزّأ من سياستهم على المدى البعيد، ولعلّ هذا أحدُ أسرار ما نشهده اليوم من النهضة والتطوّر في وطننا على جميع الصعد، وهذا ما نستشفّه من النهج الذي رسخ أركانه القائد المؤسِّس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيّب الله ثراه) حين قال:” إنَّ أكبرَ استثمار للمال هو استثماره في بناء أجيال من المتعلّمين والمثقفين”.
وإذا ما تأملنا فكرَ صاحبِ السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، فإنّنا سنجد إيماناً قويّاً بأهمية بناء إنسان قويٍّ متسلح بالعلم، فقد قال سموّه: “إنّ التعليم يمثل أولوية وطنية قصوى، كما أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي الذي ننشده”.
والقراءة قادرة على خلق جيلٍ من العلماء والمبدعين يقودُ الوطن نحو مستقبل مشرق، فقد قال سموّه مؤكداً ذلك: «القراءة رافد من روافد المعرفة وسعة الاطلاع، ودورنا توثيق صلة اﻷجيال بها، نريدهم رواداً في مختلف العلوم.. نتطلع إلى صناعة علماء وأجيال تقود المستقبل، لذا وجهنا بتخصيص 6 ملايين درهم لشراء كتب قيمة من معرض أبوظبي الدولي للكتاب لرفد المكتبة المدرسية».
وعلى الطريق ذاته سار صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله، في دعم القراءة وتشجيع أطفال العرب جميعاً على خوض غمار هذه التجربة الممتعة والمفيدة في آن معاً، فأطلق بتوجيهات كريمة من صاحبِ السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مسابقةَ تحدي القراءة العربي، ذلك الحدث الذي لقي إقبالاً عربياً واسعاً، وحظي باستحسان منقطع النظير؛ وذلك لما يحمله من أهدافٍ سامية نبيلة، وما يرتكز عليه من أسس تراثية راسخة، للوصول إلى مستقبل عظيم، فقال: “ترسيخ القراءة في الأجيال الجديدة عمل طويل المدى، ونتائجه عميقة الأثر”.
فقد آمن سموّه بأنّ غرسَ هذه العادة في قلوب أبنائنا منذ نعومة أظفارهم كفيل بإكسابهم المهارات الكافية لمواجهة تحديات الزمن، وستؤتي بلا شكٍّ ثمارها طيبةً على المدى البعيد، وأكّد غير مرة أنّ العرب قادرون على استعادة أمجادهم حين يبنون جيلاً قارئاً متسلحاً بالعلم، يقول في ذلك: “نحن فائزون بشبابنا العربي القارئ.. فائزون بالأمل الذي يزرعونه في أوطاننا.. شبابنا يبرهنون بأن المنطقة العربية قادرة على استئناف تاريخها العريق في إنتاج المعرفة والعلم لخير البشرية “.
وقد وضعت الإمارات العربية المتحدة رؤية بأن تكون القراءة أسلوب حياة في المجتمع الإماراتي بحلول عام 2026، لذا فقد تم خلال السنوات الماضية وحتى يومنا هذا إطلاق مبادرات وفعاليات وأنشطة كثيرة تدعم القراءة وتشجع عليها، وتضافرت جهود المؤسسات الحكومية والخاصة لتحقيق الهدف المنشود، وكان لمؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم دورٌ مهمٌ في بناء مجتمع قارئ، سلاحه العلم والمعرفة لقيادة مسيرة التنمية والتطوير في الدولة.
وختاماً، فإنّ نهضة وطننا وازدهاره تتطلب منّا جميعاً أن نتسلح بالعلم والمعرفة متّخذين من القراءة سبيلاً إلى ذلك، وأن نؤمن إيماناً راسخاً بأنها الطريق الأمثل نحو مستقبل أفضل، وأن نجعل منها أسلوب حياة، فذلك كفيل ببناء الإنسان والأوطان.